فصل: قتل مكرز عامر بن الملوح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 قتل مكرز عامر بن الملوح

قال ‏‏:‏‏ فبينما أخوه مكرز بن حفص بن الأخيف يسير بِمرِّ الظهران ، إذ نظر إلى عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح على جمل له ، فلما رآه أقبل إليه حتى أناخ به ، وعامر متوشح سيفه ، فعلاه مكرز بسيفه حتى قتله ، ثم خاض بطنه بسيفه ، ثم أتى به مكة ، فعلَّقه من الليل بأستار الكعبة ‏‏.‏‏

فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر بن يزيد بن عامر معلقا بأستار الكعبة ، فعرفوه ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ إن هذا لسيف عامر بن يزيد ، عدا عليه مكرز بن حفص فقتله ، فكان ذلك من أمرهم ‏‏.‏‏

فبينما هم في ذلك من حربهم ، حجز الإسلام بين الناس ؛ فتشاغلوا به ، حتى أجمعت قريش المسير إلى بدر ، فذكروا الذي بينهم وبين بني بكر فخافوهم ‏‏.‏‏

 ما قاله مكرز شعرا في قتله عامر

وقال مكرز بن حفص في قتله عامرا ‏‏:‏‏

لما رأيت أنه هو عامر * تذكرت أشلاء الحبيب الملحَّب

وقلت لنفسي ‏‏:‏‏ إنه هو عامر * فلا ترهبيه ، وانظري أي مركب

وأيقنت أني إن أجلله ضربة * متى ما أُصبه بالفُرافر يعطب

خفضت له جأشي وألقيت كلكلي * على بطل شاكي السلاح مجرب

ولم أك لما التف روعي وروعه * عصارة هجن من نساء ولا أب

حللت به وِتْرِي ولم أنس ذحله * إذا ما تناسى ذحله كل عيهب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الفَرار ‏‏(‏‏ في غير هذا الموضع ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ الرجل الأضبط ، ‏‏(‏‏ وفي هذا الموضع ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ السيف ، والعيهب ‏‏:‏‏ الذي لا عقل له ، ويقال لتيس الظباء وفحل النعام ‏‏:‏‏ العيهب ‏‏.‏‏ قال الخليل ‏‏:‏‏ العيهب ‏‏:‏‏ الرجل الضعيف عن إدراك وتره ‏‏.‏‏

 إبليس يغري قريشا بالخروج

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، قال ‏‏:‏‏ لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي كان بينها وبين بني بكر ، فكاد ذلك يثنيهم ، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن ‏جعشم المدلجي ، وكان من أشراف بني كنانة ، فقال لهم ‏‏:‏‏ أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشئ تكرهونه ، فخرجوا سراعا ‏‏.‏‏

 خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ خرج يوم الأثنين لثمان ليال خلون من شهر رمضان - واستعمل عمرو بن أم مكتوم - ويقال ‏‏:‏‏ اسمه ‏‏:‏‏ عبدالله بن أم مكتوم - ، أخا بني عامر بن لؤي ، على الصلاة بالناس ، ثم رد أبا لبابة من الروحاء ، واستعمله على المدينة ‏‏.‏‏

 صاحب اللواء

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان أبيض ‏‏.‏‏

 رايتا الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان ، إحداهما مع علي بن أبي طالب ، يقال لها ‏‏:‏‏ العقاب ، والأخرى مع بعص الأنصار ‏‏.‏‏

 عدد إبل المسلمين

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا ، فاعتقبوها ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي بن أبي طالب ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا ، وكان حمزة بن عبدالمطلب ، وزيد بن حارثة ، وأبو كبشة ، وأنسة ، موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا ، وكان أبو بكر ، وعمر ، وعبدالرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجار ‏‏.‏‏ وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ ، فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏

 طريق المسلمين إلى بدر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فسلك طريقه من المدينة إلى مكة ، على نَقْب المدينة ، ثم على العقيق ، ثم على ذي الحُليفة ، ثم على أولات الجيش ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ذات الجيش ‏‏.‏‏

 الرجل الذي اعترض الرسول و جواب سلمة له

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم مر على تُرْبان ، ثم على ملل ، ثم غَميس الحمام من مريين ، ثم على صخيرات اليمام ، ثم على السيَّالة ، ثم على فج الروحاء ، ثم على شنوكة ، وهي الطريق المعتدلة ؛ حتى إذا كان بعرق الظبية - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الظبية ‏‏:‏‏ عن غير ابن إسحاق - لقوا رجلا من الأعراب ، فسألوه عن الناس ، فلم يجدوا عنده خبرا ؛ فقال له الناس ‏‏:‏‏ سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏‏:‏‏ أوفيكم رسول الله ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ، فسلم عليه ؛ ثم قال ‏‏:‏‏ إن كنت رسول الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه ‏‏.‏‏ قال له سلمة بن سلامة بن وقش ‏‏:‏‏ لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل علي فأنا أخبرك عن ذلك ‏‏.‏‏ نزوت عليها ، ففي بطنها منك سخلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ مه ، أفحشت على الرجل ؛ ثم أعرض عن سلمة ‏‏.‏‏

 بقية الطريق إلى بدر

ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم سجسج ، وهي بئر الروحاء ، ثم ارتحل ‏منها ، حتى إذا كان بالمنصرف ، ترك طريق مكة بيسار ، وسلك ذات اليمين على النازية ، يريد بدرا ، فسلك في ناحية منها ، حتى جزع واديا ، يقال له ‏‏:‏‏ رُحْقان ، بين النازية وبين مضيق الصفراء ، ثم على المضيق ، ثم انصب منه ، حتى إذا كان قريبا من الصفراء ، بعث بسبس بن الجهني ، حليف بني ساعدة ، وعدي بن أبي الزغباء الجهني ، حليف بني النجار ، إلى بدر يتحسسان له الأخبار ، عن أبي سفيان بن حرب وغيره ‏‏.‏‏

ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قدمها ‏‏.‏‏ فلما استقبل الصفراء ، وهي قرية بين جبلين ، سأل عن جبليهما ما اسماهما ‏‏؟‏‏ فقالوا ‏‏:‏‏ يقال لأحدهما ، هذا مسلح ، وللآخر ‏‏:‏‏ هذا مخرىء ؛ وسأل عن أهلهما ، فقيل ‏‏:‏‏ بنو النار وبنو حراق ، بطنان من بني غفار ، فكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرور بينهما ، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما ‏‏.‏‏ فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفراء بيسار ، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ‏‏:‏‏ ذَفِران ، فجزع فيه ، ثم نزل ‏‏.‏‏

 ما قاله أبو بكر وعمر و المقداد تشجيعا للجهاد

وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ؛ فاستشار الناس ، وأخبرهم عن قريش ؛ فقام أبو بكر الصديق ، فقال وأحسن ‏‏.‏‏

ثم قام عمر بن الخطاب ، فقال وأحسن ‏‏.‏‏

ثم قام المقداد بن عمرو فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا ههنا قاعدون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه ، حتى تبلغه ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له به ‏‏.‏‏

 استشارة الأنصار

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أشيروا علي أيها الناس ، وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم عدد الناس ، وأنهم حين بايعوه بالعقبة ، قالوا ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا ، فإذا وصلت إلينا ، فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا ‏‏.‏‏

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم ‏‏.‏‏

فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له سعد بن معاذ ‏‏:‏‏ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أجل ؛ قال ‏‏:‏‏ فقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لَصُبُرٌ في الحرب ، صُدُق في اللقاء ‏‏.‏‏ لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ‏‏.‏‏ فسُر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ، ونشَّطه ذلك ؛ ثم قال ‏‏:‏‏ سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ‏‏.‏‏

 التعرف على أخبار قريش

ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران ، فسلك على ثنايا ‏‏.‏‏ يقال لها ‏‏:‏‏ الأصافر ؛ ثم انحط منها إلى بلد يقال له ‏‏:‏‏ الدَّبَّة ، وترك الحنَّان بيمين وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم ؛ ثم نزل قريبا من بدر ، فركب هو ورجل من أصحابه ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الرجل هو أبو بكر الصديق ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق كما حدثني محمد بن يحيى بن حبان ‏‏:‏‏ حتى وقف على شيخ من العرب ، فسأله عن قريش ، وعن محمد وأصحابه ، وما بلغه عنهم ؛ فقال الشيخ ‏‏:‏‏ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما ‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إذا أخبرتنا أخبرناك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ أذاك بذاك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال الشيخ ‏‏:‏‏ فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان صدق الذي أخبرني ، فهم اليوم بمكان كذا وكذا ، للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان الذي أخبرني صدقني ، فهم اليوم بمكان كذا وكذا ، للمكان الذي فيه قريش ‏‏.‏‏

فلما فرغ من خبره ، قال ‏‏:‏‏ ممن أنتما ‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ نحن من ماء ، ثم انصرف عنه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول الشيخ ‏‏:‏‏ ما من ماء ، أمن ماء العراق ‏‏؟‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يقال ‏‏:‏‏ ذلك الشيخ ‏‏:‏‏ سفيان الضمري ‏‏.‏‏

 ظفر المسلمين برجلين من قريش يقفانهم على أخبارهم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ؛ فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، في نفر من أصحابه ، إلى ماء بدر ، يلتمسون الخبر له عليه - كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير - فأصابوا رواية لقريش فيها أسلم ، غلام بني الحجاج ، وعريض أبو يسار ، غلام بني العاص بن سعيد ، فأتوا بهما فسألوهما ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ، فقالا ‏‏:‏‏ نحن سقاة قريش ، بعثونا نسقيهم من الماء ‏‏.‏‏

فكره القوم خبرهما ، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان ، فضربوهما ‏‏.‏‏ فلما أذلقوهما قالا ‏‏:‏‏ نحن لأبي سفيان ، فتركوهما ‏‏.‏‏ وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ، ثم سلم ، وقال ‏‏:‏‏ إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا ، والله إنهما لقريش ، أخبراني عن قريش ‏‏؟‏‏ قالا ‏‏:‏‏ هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب ‏‏:‏‏ العقنقل - فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ كم القوم ‏‏؟‏‏ قالا ‏‏:‏‏ كثير ؛ قال ‏‏:‏‏ ما عدتهم ‏‏؟‏‏ قالا ‏‏:‏‏ لا ندري ؛ قال ‏‏:‏‏ كم ينحرون كل يوم ‏‏؟‏‏ قالا ‏‏:‏‏ يوما تسعا ، ويوما عشرا ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ القوم فيما بين التسع مئة والألف ‏‏.‏‏

ثم قال لهما ‏‏:‏‏ فمن فيهم من أشراف قريش ‏‏؟‏‏ قالا ‏‏:‏‏ عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو البختري بن هشام ، وحكيم بن حزام ، ونوفل بن خويلد ، والحارث بن عامر بن نوفل ، وطعيمة بن عدي بن نوفل ، والنضر بن الحارث ، و زمعة بن الأسود ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونبيه ، ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو ، وعمرو بن عبد ود ‏‏.‏‏

فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس ، فقال ‏‏:‏‏ هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ‏‏.‏‏